الراحل أحمد الشقيري
صفحة 1 من اصل 1
الراحل أحمد الشقيري
أحمد الشقيري زعيم فلسطين وابنها البار
بداية لابد أن أتوجه بالشكر للأخ الصديق رافع الساعدي عضو الأمانة العامة لاتحاد كتاب فلسطين وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية "القيادة العامة" على مبادرته الطيبة بالدعوة لندوة أعدها بعناية لإلقاء الضوء على حياة رجل من رجالات فلسطين العظماء الذين قدموا لوطنهم وشعبهم الفلسطيني جل حياتهم. والشكر موصول لكل من ساهم في تكريم الرجل والاحتفاء به. وبعد ذلك لا يسعنا ونحن نمر بالذكرى الثالثة والأربعين لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني والمجلس الوطني إلا أن نتذكر فارس فلسطين وبطلها الذي ما زال يمثل بحق رمزاً قل نظيره من رموز شعبنا المكافح ومنارة لكل من أراد الطريق الصحيح للعمل من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين من الغزاة الصهاينة، ولا أظنه إلا هدفاً مشروعاً، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وهذا ما كان يرفعه القائد الكبير أحمد الشقيري في حياته، وفي وصيته قبل مماته.
تعود بي الذاكرة لأول مرة أرى فيها أحمد الشقيري في قطاع غزة ماراً بموكبه على الطريق الرئيسي الواصل بين رفح وأقصى نقطة على حدود صنعتها نكبة 1948 في بيت لاهيا، وكنت وقتها في المرحلة الإعدادية، فلم أر ولم أصادف على مدار السنوات اللاحقة احتفاءً ولا ترحيباً بقائد أو زعيم لشعب هنا أو في باقي أنحاء العالم كما كان ترحيب شعبنا واحتفائه بالزعيم أحمد الشقيري، وقد أكد لي بعض الأخوة من مخيم اليرموك أن الأمر قد كان على ذات الشاكلة في سوريا، ومخيم اليرموك على وجه الخصوص، واستفاضوا في وصف كيف تم حمل سيارته بأكف الناس خمس مرات ولمسافة ليست قصيرة نسبياً خلال مروره الكريمفي المخيم .
إن تفسيراً منطقياً لهذا الترحيب لابد أن يتناول الرجل وما يمثل، ففي الأولى كانت شخصية الشقيري وكلماته الثورية وخطاباته المفعمة بروح التحدي لإسرائيل، وبالأمل في تحرير فلسطين قد سبقته إلى الناس، وكما يقال فان كاريزما الرجل كانت قد وصلت في الأثناء إلى أقصى تأثيرها على الشعب الفلسطيني اللاجىء والمظلوم والذي كان ينتظر العودة لوطنه لستة عشر عاماً تسبق ذلك التاريخ المجيد من عمر شعبنا ورحلته المضنية لاسترجاع هويته الوطنية وحقه في أرضه ووطنه. وفي الثانية تلك الرمزية التي يمثلها الزعيم كواجهة محترمة ومعاكسة لواقع شعب مشرد ومهزوم، وحلم يراود كل الشعب لعودة مظفرة لوطن تم اغتصابه في ظل صمت دولي وتواطؤ عربي من أنظمة تابعة وعميلة في فترة مظلمة وقاسية من تاريخ امتنا العربية المبتلية بقادتها سابقاً ولاحقاً .
إن الطريقة والسرعة القياسية التي أنشأ فيها وبها هذا القائد الفذ منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وميثاقها ونظامها الأساسي يشير بكل الوضوح لقدرات هائلة يمتلكها هذا الرجل كما لإرادة وطنية صلبة وروحصادقة وإيمان عميق بحق الشعب في استعادة حقوقه كما شخصيته الوطنية. ففي مدة لا تتجاوز الخمسة أشهر نجح القائد والزعيم أحمد الشقيري في الاتصال بكل تجمعات شعبنا في المنطقة العربية واختيار لجان تحضيرية فيها، والتي بدورها اختارت مندوبيها للمؤتمر الوطني الفلسطيني الأول الذي عقد في القدس والذي صادق على الميثاق القومي للمنظمة والنظام الأساسي، كما انتخب الشقيري رئيساً له ولمنظمة التحرير الفلسطينية وكلفه اختيار لجنتها التنفيذية التي تشكلت للمرة الأولى من 15 عضواً، وفي هذا السياق عمل الرجل بكل حيويته على إنشاء مؤسسات منظمة التحرير فكانت الدوائر واللجان والإعلام وغيرها من المؤسسات التي لا زالت تعمل حتى يومنا هذا( يبدو أننا في حاجة لأحمد شقيري آخر لتفعيلها ) .
وفي مؤتمر القمة الثاني الذي انعقد في أيلول (سبتمبر) العام 1964قدم الشقيري إنجازه (الذي كلف به في المؤتمر الأول لرؤساء الدول العربية المنعقد في العام نفسه ) .فصادقت عليه وعلى ميزانيته وبدأ مشوار النضال لشعبنا على سكة جديدة وصحيحة مبرزاً وجهه الفلسطيني ومتصدراً العمل العربي القومي من أجل تحرير فلسطين .. كل فلسطين .
ولد أحمد الشقيري في بلدة تبنين اللبنانية عام 1908 ( ويقال 1907 ) حيث كان والده أسعد الشقيري منفياً لمعارضته السياسة التركية، ومن ثم عاد إلى فلسطين للعيش في طولكرم مع والدته التي ما لبثت أن توفت اثر مرض لم يمهلها كثيراً وكان احمد الشقيري لا يزال في السابعة من عمره، وكان هذا أول غيث الظلم الذي لحق به على مدار حياته الغنية والمليئة بالجهد والنضال والإنجازات.
انتقل بعدها إلى عكا لتلقي تعليمه الأساسي وبعدها إلى القدس ليكمل دراسته الثانوية حيث أتمها هناك في العام 1926 ليلتحق بالجامعة الأمريكية التي فصلته في العام التالي اثر قيادته مظاهرة كبيرة في حرم الجامعة ضد الاحتلال الفرنسي للبنان، وابعد عن لبنان عام 1927 .
وجدير بالذكر أن الشقيري قد وثق علاقته بالقوميين العرب وانتسب عضوا في جمعية العروة الوثقى المعروفة بعروبتها ومناداتها بالاستقلال .
عاد إلى القدس والتحق بمعهد الحقوق ليصبح محامياً وفي نفس الوقت محرراً في صحيفة مرآة الشرق المقدسية. شارك احمد الشقيري في أحداث ثورة 1936 – 1939، ونشط أمام المحاكم البريطانية دفاعاً عن المعتقلين الفلسطينيين، كما شارك في مؤتمر عام 1937 للدفاع عن حق شعبنا فلاحقته السلطات البريطانية فغادر إلى مصر عام 1940 .
بعد وفاة والده عاد إلى فلسطين حيث افتتح مكتباً للمحاماة. ثم لتختاره القيادة الفلسطينية وبموافقة عربية ليرأس مكتبها الإعلامي بواشنطن مدافعاً عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وليواجه دعايات الصهاينة اليهود في الترويج لإقامة وطن لهم في فلسطين وضد الهجرة اليهودية وغير ذلك من قضايا الصراع في ذلك الزمن .
في العام 1949 – 1950 وبعد هجرته القسرية اثر النكبة إلى لبنان عمل ضمن الوفد السوري للأمم المتحدة حيث كان يحمل الجنسية السورية، ثم أميناً عاماً مساعداً لجامعة الدول العربية حتى العام 1957 . اختير بعد هذا وزير دولة لشؤون الأمم المتحدة في العربية السعودية ومن ثم ممثلاً دائماً لها في الأمم المتحدة ولعدة سنوات .
وفي عمله الدبلوماسي كرس الشقيري كل جهوده لخدمة القضية الفلسطينية وقضايا الاستعمار في المغرب العربي، وكان مدافعاً صلباً عن حقنا في كامل أرضنا ولم يسجل في تاريخ الرجل أي تنازل عن هذا الحق لا بشكل مباشر ولا بطريقة غير مباشرة .
في أعقاب وفاة السيد أحمد حلمي عبد الباقي ممثل فلسطين في الجامعة العربية ورئيس حكومة عموم فلسطين اختير الشقيري ليشغل ذلك المنصب من قبل رؤساء الدول العربية حينها .
وكما ذكرنا فقد تم تكليفه من مؤتمر القمة الأول تأسيس منظمة التحرير عام 1964 .
في العام 1965 بتاريخ 31/5 – 2/6 انعقد المؤتمر الوطني الثاني للمجلس الوطني، فقدم الشقيري استقالته من رئاسة المجلس ليتفرغ للجنة التنفيذية التي انتخب لرئاستها، ومكلفاً إياه تسمية أعضائها الخمسة عشر .
بعد هزيمة عام 1967 والتي تصادف ذكراها الأليمة بعد أيام في الخامس من حزيران الجاري قدم المكافح الكبير ورمز فلسطين استقالته للجنة التنفيذية في ديسمبر (كانون أول ) من نفس العام حيث قبلت اللجنة استقالته، وانتخبت يحيى حمودة رئيساً بالوكالة .
بقي في مصر يمارس الكتابة ولا يقوم بأي عمل رسمي حتى وقع السادات اتفاقية كامب ديفيد التصفوية، فغادر مصر غاضباً ليقيم في تونس. لم يمهله المرض طويلاً في تونس حيث توفى إلى رحمة الله في الخامس والعشرين من فبراير (شباط) 1980، عن عمر ناهز الثانية والسبعين. وقد تم دفنه في مقبرة الصحابي الكبير أبوعبيدة عامر بن الجراح في غور الأردن وعلى بعد اقل من ثلاثة كيلو مترات عن حدود فلسطين كما أوصى .
قدم الراحل العديد من المؤلفات للمكتبة العربية والفلسطينية، منها: قضايا عربية – دفاعاً عن فلسطين – فلسطين على منبر الأمم المتحدة – أربعون عاماً في الحياة السياسية – مشروع الدولة العربية المتحدة – من القمة إلى الهزيمة مع الملوك والرؤساء العرب – حوار وأسرار مع الملوك والرؤساء العرب .
وبعد... هل هذا كل شيء عن الراحل الكبير والقائد الفذ أحمد الشقيري؟ لا أحد يستطيع أن يعطي الموضوع حقه سواء بالاحاطة بنضاله وعطائه لشعبه وقضيته، أو بسيرة حياة عطرة تمثل بكل المواصفات نموذجاً متميزاً لقائد يحب شعبه ويصدقه القول والعمل .
إن هذا التقييم لرجل فلسطين وفارسها العظيم لا ينفي وجود ثغرات وأخطاء في حياة الرجل، الأمر الطبيعي في مناخات السياسة العربية المقيتة والهابطة التي كان الرجل يتعاطى معها مرغماً في الأغلب الأعم، ولعله القائد الفلسطيني الأكثر تعرضاً لظلم ذوي القربى من القادة العرب، وحتى من الفلسطينيين الذين لم يروا في الرجل سوى سلبياته ونقائصه .
لكن شجاعة الزعيم الوطني احمد الشقيري ودفاعه المستميت عن قضية شعبه أمام كل محفل عربي ودولي، سواء أكان ذلك في زمن سابق لإنشاء منظمة التحرير أو أثناء توليه قيادتها وحتى بعد استقالته منها والى يوم وفاته يغفر له أخطائه وسلبياته، وكما نوهنا لم يسجل على الرجل أنه اقترب من الاعتراف بالعدو الصهيوني أو تقبل وجوده على أرضنا العربية .
ولا يفوتني أن أذكر موقفه الأبي والشجاع في مؤتمر قمة الخرطوم اللاحق لهزيمة حزيران والذي قدم فيه لاءاته السبع ليتم اختصارها إلى ثلاث فينتفضالشقيري غاضباً ويغادر المؤتمر محملاً القادة العرب مسؤولية قراراتهم التي لا تتناسب وحجم الهزيمة التي أسموها نكسة .
وغني عن القول أن أحمد أسعد الشقيري سبق أن اعتقل لمرات عديدة ونفي ولوحق من قبل السلطات البريطانية المحتلة ، فما وهنت له عزيمة وما تخاذل أمام الضغوط والإغراءات .
وفي الختام لا يفوتني أن أذكر بكل الحب والتقدير والعرفان الانسجام الكبير والوطني لرجل كبير أعطاه شعبه حباً وتقديراً فأعطى شعبه الوفاء والإخلاص، ويحضرنا للدلالة على هذا الصورة الجميلة والمعبرة للقائد حين استقبله شعبه في غزة وسوريا بشكل لا نظير له حينما حمل بسيارته على أكف المستقبلين من أبناء وطنه، يقابلها نفس القائد وبصورة أروع حين نزل سائراً على قدميه إلى دار القضاء العالي بالقاهرة ليدافع عن أبناء هذا الشعب الوفي الذين قاموا باغتيال من اعتقدوا أنه وراء ما حدث لشعبنا من مجازر في أيلول الأسود بالأردن .
بداية لابد أن أتوجه بالشكر للأخ الصديق رافع الساعدي عضو الأمانة العامة لاتحاد كتاب فلسطين وعضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية "القيادة العامة" على مبادرته الطيبة بالدعوة لندوة أعدها بعناية لإلقاء الضوء على حياة رجل من رجالات فلسطين العظماء الذين قدموا لوطنهم وشعبهم الفلسطيني جل حياتهم. والشكر موصول لكل من ساهم في تكريم الرجل والاحتفاء به. وبعد ذلك لا يسعنا ونحن نمر بالذكرى الثالثة والأربعين لإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية وجيش التحرير الفلسطيني والمجلس الوطني إلا أن نتذكر فارس فلسطين وبطلها الذي ما زال يمثل بحق رمزاً قل نظيره من رموز شعبنا المكافح ومنارة لكل من أراد الطريق الصحيح للعمل من أجل تحرير فلسطين كل فلسطين من الغزاة الصهاينة، ولا أظنه إلا هدفاً مشروعاً، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، وهذا ما كان يرفعه القائد الكبير أحمد الشقيري في حياته، وفي وصيته قبل مماته.
تعود بي الذاكرة لأول مرة أرى فيها أحمد الشقيري في قطاع غزة ماراً بموكبه على الطريق الرئيسي الواصل بين رفح وأقصى نقطة على حدود صنعتها نكبة 1948 في بيت لاهيا، وكنت وقتها في المرحلة الإعدادية، فلم أر ولم أصادف على مدار السنوات اللاحقة احتفاءً ولا ترحيباً بقائد أو زعيم لشعب هنا أو في باقي أنحاء العالم كما كان ترحيب شعبنا واحتفائه بالزعيم أحمد الشقيري، وقد أكد لي بعض الأخوة من مخيم اليرموك أن الأمر قد كان على ذات الشاكلة في سوريا، ومخيم اليرموك على وجه الخصوص، واستفاضوا في وصف كيف تم حمل سيارته بأكف الناس خمس مرات ولمسافة ليست قصيرة نسبياً خلال مروره الكريمفي المخيم .
إن تفسيراً منطقياً لهذا الترحيب لابد أن يتناول الرجل وما يمثل، ففي الأولى كانت شخصية الشقيري وكلماته الثورية وخطاباته المفعمة بروح التحدي لإسرائيل، وبالأمل في تحرير فلسطين قد سبقته إلى الناس، وكما يقال فان كاريزما الرجل كانت قد وصلت في الأثناء إلى أقصى تأثيرها على الشعب الفلسطيني اللاجىء والمظلوم والذي كان ينتظر العودة لوطنه لستة عشر عاماً تسبق ذلك التاريخ المجيد من عمر شعبنا ورحلته المضنية لاسترجاع هويته الوطنية وحقه في أرضه ووطنه. وفي الثانية تلك الرمزية التي يمثلها الزعيم كواجهة محترمة ومعاكسة لواقع شعب مشرد ومهزوم، وحلم يراود كل الشعب لعودة مظفرة لوطن تم اغتصابه في ظل صمت دولي وتواطؤ عربي من أنظمة تابعة وعميلة في فترة مظلمة وقاسية من تاريخ امتنا العربية المبتلية بقادتها سابقاً ولاحقاً .
إن الطريقة والسرعة القياسية التي أنشأ فيها وبها هذا القائد الفذ منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وميثاقها ونظامها الأساسي يشير بكل الوضوح لقدرات هائلة يمتلكها هذا الرجل كما لإرادة وطنية صلبة وروحصادقة وإيمان عميق بحق الشعب في استعادة حقوقه كما شخصيته الوطنية. ففي مدة لا تتجاوز الخمسة أشهر نجح القائد والزعيم أحمد الشقيري في الاتصال بكل تجمعات شعبنا في المنطقة العربية واختيار لجان تحضيرية فيها، والتي بدورها اختارت مندوبيها للمؤتمر الوطني الفلسطيني الأول الذي عقد في القدس والذي صادق على الميثاق القومي للمنظمة والنظام الأساسي، كما انتخب الشقيري رئيساً له ولمنظمة التحرير الفلسطينية وكلفه اختيار لجنتها التنفيذية التي تشكلت للمرة الأولى من 15 عضواً، وفي هذا السياق عمل الرجل بكل حيويته على إنشاء مؤسسات منظمة التحرير فكانت الدوائر واللجان والإعلام وغيرها من المؤسسات التي لا زالت تعمل حتى يومنا هذا( يبدو أننا في حاجة لأحمد شقيري آخر لتفعيلها ) .
وفي مؤتمر القمة الثاني الذي انعقد في أيلول (سبتمبر) العام 1964قدم الشقيري إنجازه (الذي كلف به في المؤتمر الأول لرؤساء الدول العربية المنعقد في العام نفسه ) .فصادقت عليه وعلى ميزانيته وبدأ مشوار النضال لشعبنا على سكة جديدة وصحيحة مبرزاً وجهه الفلسطيني ومتصدراً العمل العربي القومي من أجل تحرير فلسطين .. كل فلسطين .
ولد أحمد الشقيري في بلدة تبنين اللبنانية عام 1908 ( ويقال 1907 ) حيث كان والده أسعد الشقيري منفياً لمعارضته السياسة التركية، ومن ثم عاد إلى فلسطين للعيش في طولكرم مع والدته التي ما لبثت أن توفت اثر مرض لم يمهلها كثيراً وكان احمد الشقيري لا يزال في السابعة من عمره، وكان هذا أول غيث الظلم الذي لحق به على مدار حياته الغنية والمليئة بالجهد والنضال والإنجازات.
انتقل بعدها إلى عكا لتلقي تعليمه الأساسي وبعدها إلى القدس ليكمل دراسته الثانوية حيث أتمها هناك في العام 1926 ليلتحق بالجامعة الأمريكية التي فصلته في العام التالي اثر قيادته مظاهرة كبيرة في حرم الجامعة ضد الاحتلال الفرنسي للبنان، وابعد عن لبنان عام 1927 .
وجدير بالذكر أن الشقيري قد وثق علاقته بالقوميين العرب وانتسب عضوا في جمعية العروة الوثقى المعروفة بعروبتها ومناداتها بالاستقلال .
عاد إلى القدس والتحق بمعهد الحقوق ليصبح محامياً وفي نفس الوقت محرراً في صحيفة مرآة الشرق المقدسية. شارك احمد الشقيري في أحداث ثورة 1936 – 1939، ونشط أمام المحاكم البريطانية دفاعاً عن المعتقلين الفلسطينيين، كما شارك في مؤتمر عام 1937 للدفاع عن حق شعبنا فلاحقته السلطات البريطانية فغادر إلى مصر عام 1940 .
بعد وفاة والده عاد إلى فلسطين حيث افتتح مكتباً للمحاماة. ثم لتختاره القيادة الفلسطينية وبموافقة عربية ليرأس مكتبها الإعلامي بواشنطن مدافعاً عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وليواجه دعايات الصهاينة اليهود في الترويج لإقامة وطن لهم في فلسطين وضد الهجرة اليهودية وغير ذلك من قضايا الصراع في ذلك الزمن .
في العام 1949 – 1950 وبعد هجرته القسرية اثر النكبة إلى لبنان عمل ضمن الوفد السوري للأمم المتحدة حيث كان يحمل الجنسية السورية، ثم أميناً عاماً مساعداً لجامعة الدول العربية حتى العام 1957 . اختير بعد هذا وزير دولة لشؤون الأمم المتحدة في العربية السعودية ومن ثم ممثلاً دائماً لها في الأمم المتحدة ولعدة سنوات .
وفي عمله الدبلوماسي كرس الشقيري كل جهوده لخدمة القضية الفلسطينية وقضايا الاستعمار في المغرب العربي، وكان مدافعاً صلباً عن حقنا في كامل أرضنا ولم يسجل في تاريخ الرجل أي تنازل عن هذا الحق لا بشكل مباشر ولا بطريقة غير مباشرة .
في أعقاب وفاة السيد أحمد حلمي عبد الباقي ممثل فلسطين في الجامعة العربية ورئيس حكومة عموم فلسطين اختير الشقيري ليشغل ذلك المنصب من قبل رؤساء الدول العربية حينها .
وكما ذكرنا فقد تم تكليفه من مؤتمر القمة الأول تأسيس منظمة التحرير عام 1964 .
في العام 1965 بتاريخ 31/5 – 2/6 انعقد المؤتمر الوطني الثاني للمجلس الوطني، فقدم الشقيري استقالته من رئاسة المجلس ليتفرغ للجنة التنفيذية التي انتخب لرئاستها، ومكلفاً إياه تسمية أعضائها الخمسة عشر .
بعد هزيمة عام 1967 والتي تصادف ذكراها الأليمة بعد أيام في الخامس من حزيران الجاري قدم المكافح الكبير ورمز فلسطين استقالته للجنة التنفيذية في ديسمبر (كانون أول ) من نفس العام حيث قبلت اللجنة استقالته، وانتخبت يحيى حمودة رئيساً بالوكالة .
بقي في مصر يمارس الكتابة ولا يقوم بأي عمل رسمي حتى وقع السادات اتفاقية كامب ديفيد التصفوية، فغادر مصر غاضباً ليقيم في تونس. لم يمهله المرض طويلاً في تونس حيث توفى إلى رحمة الله في الخامس والعشرين من فبراير (شباط) 1980، عن عمر ناهز الثانية والسبعين. وقد تم دفنه في مقبرة الصحابي الكبير أبوعبيدة عامر بن الجراح في غور الأردن وعلى بعد اقل من ثلاثة كيلو مترات عن حدود فلسطين كما أوصى .
قدم الراحل العديد من المؤلفات للمكتبة العربية والفلسطينية، منها: قضايا عربية – دفاعاً عن فلسطين – فلسطين على منبر الأمم المتحدة – أربعون عاماً في الحياة السياسية – مشروع الدولة العربية المتحدة – من القمة إلى الهزيمة مع الملوك والرؤساء العرب – حوار وأسرار مع الملوك والرؤساء العرب .
وبعد... هل هذا كل شيء عن الراحل الكبير والقائد الفذ أحمد الشقيري؟ لا أحد يستطيع أن يعطي الموضوع حقه سواء بالاحاطة بنضاله وعطائه لشعبه وقضيته، أو بسيرة حياة عطرة تمثل بكل المواصفات نموذجاً متميزاً لقائد يحب شعبه ويصدقه القول والعمل .
إن هذا التقييم لرجل فلسطين وفارسها العظيم لا ينفي وجود ثغرات وأخطاء في حياة الرجل، الأمر الطبيعي في مناخات السياسة العربية المقيتة والهابطة التي كان الرجل يتعاطى معها مرغماً في الأغلب الأعم، ولعله القائد الفلسطيني الأكثر تعرضاً لظلم ذوي القربى من القادة العرب، وحتى من الفلسطينيين الذين لم يروا في الرجل سوى سلبياته ونقائصه .
لكن شجاعة الزعيم الوطني احمد الشقيري ودفاعه المستميت عن قضية شعبه أمام كل محفل عربي ودولي، سواء أكان ذلك في زمن سابق لإنشاء منظمة التحرير أو أثناء توليه قيادتها وحتى بعد استقالته منها والى يوم وفاته يغفر له أخطائه وسلبياته، وكما نوهنا لم يسجل على الرجل أنه اقترب من الاعتراف بالعدو الصهيوني أو تقبل وجوده على أرضنا العربية .
ولا يفوتني أن أذكر موقفه الأبي والشجاع في مؤتمر قمة الخرطوم اللاحق لهزيمة حزيران والذي قدم فيه لاءاته السبع ليتم اختصارها إلى ثلاث فينتفضالشقيري غاضباً ويغادر المؤتمر محملاً القادة العرب مسؤولية قراراتهم التي لا تتناسب وحجم الهزيمة التي أسموها نكسة .
وغني عن القول أن أحمد أسعد الشقيري سبق أن اعتقل لمرات عديدة ونفي ولوحق من قبل السلطات البريطانية المحتلة ، فما وهنت له عزيمة وما تخاذل أمام الضغوط والإغراءات .
وفي الختام لا يفوتني أن أذكر بكل الحب والتقدير والعرفان الانسجام الكبير والوطني لرجل كبير أعطاه شعبه حباً وتقديراً فأعطى شعبه الوفاء والإخلاص، ويحضرنا للدلالة على هذا الصورة الجميلة والمعبرة للقائد حين استقبله شعبه في غزة وسوريا بشكل لا نظير له حينما حمل بسيارته على أكف المستقبلين من أبناء وطنه، يقابلها نفس القائد وبصورة أروع حين نزل سائراً على قدميه إلى دار القضاء العالي بالقاهرة ليدافع عن أبناء هذا الشعب الوفي الذين قاموا باغتيال من اعتقدوا أنه وراء ما حدث لشعبنا من مجازر في أيلول الأسود بالأردن .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى